من القاهرة:مروى بونقيشة
سجّلت السينما التونسية حضورًا بارزًا في الدورة السادسة والأربعين من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، الذي يُقام من 12 إلى 21 نوفمبر 2025، وذلك من خلال مجموعة من الأعمال التي تجمع بين التجربة الراسخة للمخرجين المخضرمين وحيوية الأصوات الشابة. وقد جاء هذا الحضور المتنوع ليعكس حالة من النضج الفني والتجديد الإبداعي داخل المشهد السينمائي التونسي، الذي يواصل تعزيز مكانته عربيًا ودوليًا.
في صدارة المشاركة التونسية، اختار المهرجان فيلم “صوت هند رجب” للمخرجة كوثر بن هنية ليكون فيلم الاختتام، وهو اختيار يؤكد المكانة المتميزة التي تحتلها بن هنية في السينما العالمية. الفيلم، الذي يجمع بين الحس الإنساني العميق والمعالجة البصرية المتقنة، يواصل الخط الإبداعي للمخرجة في تقديم شخصيات تواجه أسئلة الهوية والحرية والبحث عن الذات. وقد حظي العمل باهتمام واسع منذ الإعلان عن برمجته، باعتباره أحد أهم عناوين الدورة.
أما في المسابقة الدولية للأفلام الطويلة، فقد حضر المخرج مهدي هميلي بفيلم “اغتراب” (Exile)، وهو عمل يعالج ثنائية الانتماء والضياع من خلال قصة شخصية غارقة في الأسئلة الوجودية. يتميّز الفيلم بلغة بصرية قوية تترجم التمزقات الداخلية لشخصياته، في استمرار لأسلوب هميلي الذي عرف بتجريبه واشتغاله على الحدود بين الواقع والمجاز.
وفي مسابقة الأفلام القصيرة، حضرت تونس بفيلمين اثنين قدما رؤيتين مختلفتين لكنهـما يلتقيان في عمق الطرح وحساسية المعالجة. فيلم “العصافير لا تهاجر” للمخرج رامي الجربوعي يقدّم مقاربة شاعرية لعلاقة الإنسان بمحيطه ورغبته في التحرر، بينما يتناول فيلم “في البداية تحمرّ الوجنتان ثم نعتاد” للمخرجة مريم الفرجاني التحولات النفسية والاجتماعية عبر سرد بصري قائم على الإيماء واللغة الداخلية للشخصيات.
وفي مسابقة آفاق السينما العربية، سجّلت تونس حضورًا مزدوجًا من خلال فيلم “كأن لم تكن” للمخرجة سارة العبيدي، الذي يتناول هشاشة العلاقات الإنسانية بأسلوب هادئ وقريب من اليومي، وفيلم “الجولة 13” للمخرج محمد علي النهدي الذي يقدّم رؤية واقعية لحياة الفرد في مجتمع يعيش تحولات متسارعة. ويبرز العملان قدرة السينمائيين التونسيين على التجديد وعلى قراءة الواقع الاجتماعي بعمق ودقة.
كما حضرت المخرجة سارة العبيدي مرة أخرى ضمن ملتقى القاهرة السينمائي من خلال مشروع فيلمها الوثائقي “حفلة وداع”، وهو عمل بصدد التطوير يعالج موضوع الذاكرة بوصفها مساحة إنسانية مشتركة بين الغياب والحضور، في تأكيد على حيوية السينما الوثائقية التونسية واتساع آفاقها التعبيرية.
هذا الحضور المتناغم والمتنوع للسينما التونسية في مختلف أقسام المهرجان يؤكد استمرار تطورها ونجاحها في بناء لغة فنية خاصة بها، تقوم على الجرأة والصدق وعمق الرؤية. كما يعكس إيمان مهرجان القاهرة بالمواهب التونسية التي أثبتت قدرتها على المنافسة وترك أثر واضح في المشهد العربي والدولي. بهذه المشاركة، تواصل تونس تعزيز مكانتها كإحدى أبرز المنصات العربية المصدّرة للإبداع السينمائي الحديث









