بقلم ياسين فرحاتي
تصريحات و تصريحات مضادۃ . تراشق بالكلمات و تبادل للتهم علی منابر اعلاميۃ و تحت قبۃ مجلس نواب الشعب و شد وجذب. تلك هي الاجواء العامۃ في تونس اليوم : متعفنۃ و مشحونۃ بالدسائس و المؤامرات حسب البعض. الحدث الذي يثير جدلا سياسيا و اعلاميا هذه الايام هو تلك القنبلۃ المدويۃ التي فجرها فريق الدفاع في قضيۃ الشهيدين شكري بلعيد و محمد البراهمي عن وجود غرفۃ سوداء صلب وزارۃ الداخليۃ شكلتها حركۃ النهضۃ و علی علاقۃ باغتيال المناضلين السياسيين شكري بلعيد و محمد الابراهمي حسب ادعاء الجبهۃ الشعبيۃ و يبدو ان كثيرين قد صدقوا روايۃ هيئة الدفاع و اخذوها علی محمل الجد و بدا الموضوع ياخذ منحی اكثر اهميۃ بعد استقبال رئيس الجمهوريۃ الباجي قايد السبسي للمحامين الذين يمسكون بتلابيب الملف . و الحقيقۃ تقال ان الباجي قايد السبسي وعد زوجۃ الفقيد بفك العقدۃ في ملف الاغتيال مباشرۃ بعد انتخابه رئيسا للجمهوريۃ سنۃ 2014. لكن بالمقابل هذا الزخم الاعلامي الذي حظيت به القضيۃ و خصوصا حرص رئاسۃ الجمهوريۃ علی الاطلاع علی الوثائق التي قدمتها هيئۃ الدفاع في خصوص الجريمۃ السياسيۃ اثار حفيظۃ و غضب حركۃ النهضۃ التي اكدت ان الملف من صلاحيات القضاء التونسي وحده . ولا يخفی علی احد انه بعد انهاء التوافق بين حركۃ نداء تونس و حركۃ النهضۃ تعكرت الاجواء بين الاثنين خصوصا بعد اصطفاف رئيس حركۃ النهضۃ راشد الغنوشي الی جانب رئيس الحكومۃ يوسف الشاهد بدعوی الحفاظ علی الاستقرار السياسي.
من المعلوم ان خيوط اللعبۃ السياسيۃ يحركها ثلاثۃ يشكلون مثلث القوی ان جاز التعبير و هما “الشيخان” كما يحلو للبعض ان يسميهما و يوسف الشاهد. ويقول كثير من المحللين و العارفين بكواليس الحكم و السياسۃ في تونس ان ” الجنرال” كما وصفه الوزير و القيادي السابق بنداء تونس الازهر العكرمي ذات مرۃ هو المتحكم الفعلي في دواليب السياسۃ في تونس و ذلك بفضل التماسك الداخلي و الانضباط الحزبي الذي يوصف به التنظيم السياسي الذي يتزعمه و كاريزما الغنوشي نفسه.
يقول العلامۃ عبد الرحمان بن خلدون ” في السياسۃ و دواليبها كثيرۃ كانت معاطبي و زلاتي ” و يردف قائلا ” كنت اتلون بين حين و حين بحسب ما يقتضيه المقام او غريزۃ البقاء” . و اعتقد ان ذلك هو سلوك سياسيينا. علی مستوی خارطۃ الاحزاب: احزاب تهوي الی الاسفل و اخری تصعد في البارومتر السياسي لبعض مراكز استطلاع الرأي. تحالفات و تكتلات كما هو الحال بين التيار الوطني الحر الذي انصهر في النداء و ائتلاف وطني علی وشك التحول الی حزب جديد قد يكون هذه المرۃ حزب يوسف الشاهد .
في الاثناء يتواصل السؤال هل سيتواصل هذا التناغم و الانسجام بين حركۃ النهضۃ و رئيس الحكومۃ خصوصا انه ثمۃ تصريح تلفزي للغنوشي دعا فيه الشاهد الی عدم الترشح لانتخابات 2019 لكن هذا عندما كان الشاهد قياديا بارزا بالنداء قبل ان ينقطع حبل الود بين الاثنين.
داخليا الوضع جد متأزم و يثير عدۃ شكوك و نقاط استغراب عندما نسمع تصريحات من خارج الحدود لساسۃ بارزين من ذلك : ٝ ما اعلن عنه الامين العام للنداء سليم الرياحي الذي اتهم فيه رئيس الحكومۃ بالتآمر ضد رئيس الجمهوريۃ و السعي للانقلاب عليه , تصريح احدث بلبلۃ في الشارع التونسي فيما يعد اعلاميا بمثابۃ ” سكوب” لكنه خبر سيء في ظل ظروف معيشيۃ صعبۃ يعيشها المواطن الذي ينتظر انفراجا في الوضع .
في نفس سياق اطلاق النار الكلامي من الخارج و في اطار التفاعل مع ما يجري داخل الوطن , يطل علينا الرييس السابق محمد المنصف المرزوقي و كعادته من علی شاشۃ قناۃ الجزيرۃ القطريۃ بكلام تعودنا علی سماع شيء مثله فيما مضی يدعو فيه بصريح العبارۃ رييس الجمهوريۃ الی ” الانسحاب الهادیء من السلطۃ و الی الكف عن مهاجمۃ النهضۃ و التوقف عن شن حرب علی الشاهد”. كلام المرزوقي لم يحدث ضجيجا في الداخل لانه يعيش في شبه عزلۃ سياسيۃ وهو مقاطع تماما للاعلام التونسي العمومي و الخاص لانه لا يزال يعتبره اعلاما نوفمبريا الشيء الذي اثر سلباعلی حزبه الحراك.
مجمل القول , ان الساحۃ السياسيۃ نشطۃ ربما بما فيه الكفايۃ لكن النجاعۃ او المردوديۃ التي يجب ان تنعكس ايجابا علی الحياۃ اليوميۃ للمواطن هي الغايبۃ. نحن لا نزال نعيش مرحلۃ ديمقراطيۃ جنينيۃ و الوضع السياسي لا يزال هشا و نرجو ان لا يطول كثيرا جني ثمار الثورۃ التي لطالما تشدقنا بها