أزمة السكن في تونس أهم مشكل يهدد السلام الأسري من ذلك عملت وزارة التجهيز و السكن و التهيئة الترابية بعد الثورة إلى احداث برنامج جديد و يسمى بالبرنامج الخصوصي للسكن الاجتماعي إلى جانب المنظومة القديمة للسكن و هو موجه خصيصا للعائلات ذات الحالات الاجتماعية الصعبة و المزرية في هذا الخصوص و نظرا لحساسية هذا المطلب الشعبي و هو أحقية السكن اللائق لكل مواطن تونسي كان لنا الحوار التالي مع السيد محمد الخامس العبيدي المدير العام للبرنامج الخصوصي للسكن الاجتماعي لنتحث معه عن أهم اشكالات السكن الاجتماعي في تونس و عن الاستراتيجية المتبعة من طرف وزارة التجهيز و السكن و التهيئة الترابية للنهوض بقطاع السكن في بلادنا و في ما يلي نص الحوار :
هل من فكرة عن الاستراتيجية لمراجعة منظومة السكن الاجتماعي في تونس التي أسالت كتيرا من الحبر بل أنها كانت محل جدل واسع ؟
من المؤكد أن منظومة السكن في تونس تعتمد على عديد الآليات من بين هاته الآليات نجد الباعثين العقاريين العموميين الذين ينشطون في توفير المساكن الاجتماعية في تونس و كذلك تعد المؤسسة العمومية « لافاهاش « من بين المؤسسات المطالبة بالتدخل في منظومة توفير المساكن الاجتماعية إذ يكمن دورها الأساسي في توفير المقاسم الاجتماعية لبيعها للمواطنين لانجاز المساكن الاجتماعية و لكن ما ثبت أن هاته المنظومة لم تكن تستجيب لمتطلبات الوضع خاصة فيما يتعلق بمسألة توفير المساكن الاجتماعية للمواطنين و يكمن المشكل في هاته المنظومة في صعوبة توفير العقارات التي سيقع استغلالها لبناء هاته المساكن و بالتالي كانت طاقة استيعاب المنظومة لا تفوق 2000 مسكن سنويا التي أغلبها لا يدخل تحت نطاق المساكن الاجتماعية و ذلك لعدم استجابتها للشروط التي يجب أن تتوفر في المسكن الاجتماعي سواء كان ذلك من حيث المساحة أو الثمن .
من هذا المنطلق عملت الدولة التونسية اثر الثورة مباشرة على اضفاء منظومة جديدة و تسمى البرنامج الخصوصي للسكن الاجتماعي و الذي يتكون من محورين يتعلق المحور الأول بإزالة و تعويض المساكن البدائية بأخرى جديدة أو توسعة المساكن و تحسينها و قد بلغ عدد المساكن في هذا الخصوص 10000 مسكن أما المحور الثاني يتمثل في توفير المساكن الاجتماعية لفائدة الفئات المحدودة الدخل و تكون هاته المساكن موزعة على كامل ولايات الجمهورية و قد بلغ عدد المساكن في هذا الخصوص 20000 مسكن طبعا هذا بالتوازي مع المنظومة القديمة التي لازالت تنتج 2000 مسكن كل سنة
على أي معيار يقع تصنيف هذه المساكن و ماهي الشروط الأساسية التي يقع احتسابها ليكون المسكن بدائي ؟
هناك لجنة جهوية من مهامها المصادقة على القوائم و البت في ملفات المترشحين للانتفاع بالسكن الاجتماعي هاته اللجنة الجهوية انبثقت منها لجنة فنية و تتمثل من ممثل عن وزارة التجهيز و ممثل عن وزارة أملاك الدولة و ممثل صندوق الضمان الاجتماعي و ممثل عن الولاية و ممثل عن المجتمع المدني بالجهة و ممثلين من المجلس التأسيسي وقتها تقوم بمعاينة المساكن البدائية أي المسكن الذي لا يستجيب للمتطلبات الأساسية العيش الكريم و كذلك تقوم بمعاينة الحالىة الاجتماعية للمترشح .
من هذا المنطلق تم اعداد منظومة معلوماتية تتضمن كل البيانات اللازمة عن المترشح و من خلال هذه المنظومة يقع ترتيب المترشحين حسب الأولوية و قد وقع الموافقة إلى حد الأن على ما يقارب 9000 منتفع و وقع انجاز حوالي 3000 مسكن و وقع توزيع حوالي 336 مسكن حاليا كما أنه هناك حوالي 960 مسكن جاهز للتسليم .
لا شك أن البرنامج الخصوصي للسكن الاجتماعي تعترضه عديد الاشكالات هل يمكن أن تخصنا بأهمها ؟
في حقيقة الأمر يكمن المشكل الأساسي في عزوف الباعثين العقاريين عن المشاركة في انشاء هاته المساكن الاجتماعية أو ترميمها نظرا للتكلفة العالية للمشروع و التي تتجاوز الحد الأقصى المتفق عليه و هو حوالي 35000 دينار هذا ما ادى إلى تعطيل هاته المشاريع و عدم الاسراع في نسق استكمال هاته المساكن الاجتماعية
و من بين المشاكل أيضا عدم ملكية الأرض لعديد المنتفعين و هذا الاشكال مرتبط أساسا بالضمان الواجب تقديمه لبنك الاسكان للانتفاع بالمبلغ المحدد للمنتفع و هنا نفتح قوس للحديث عن الجانب القانوني في هذا المجال إذ يقع انجاز هذا المسكن من قبل طرفين أي الدولة و بنك الاسكان إذ تقوم الدولة بتغطية 50 بالمائة من النقفات العامة و يقوم المنتفع بتغطية بقية النفقات من خلال قرض بدون فوائد يقع خلاصه على فترة 25 سنة مسند من قبل بنك الاسكان للمنتفع و في صورة عدم وجود ضمان هنا يكمن الاشكال و هذا ما دفع العديد من المواطنني إلى اللجوء إلى السكن في هذا المسكن عند الانتهاء من بناءه مباشرة دون انتظار التسوية القانونية
في هذا الخصوص ما هي الاجراءات القانونية التي سيقع اتخاذها ضد هاؤلاء المواطنين ؟
في حقيقة الأمر العقار عقاره و المسكن مسكنه يبقى الاشكال هنا في كيفية التحاور مع هؤلاء المواطنين لإيجاد حل وسط يرضي الجميع أما في ما يخص المواطنين ذوي الدخل المنعدم أي ضعاف الحال و لا يمكنهم حقا استخلاص الدين نظرا لضروفهم الاجتماعية المزرية فنحن في صدد التحاور مع الجهات المختصة لتسوية وضعية هؤلاء .
حسنا بالعودة للاشكالات ماهي أهم الاشكالات الأخرى ؟
هناك اشكالات عديدة تتعلق بالمحور الثاني للبرنامج الخصوصي المتعلق بتوفير المساكن الاجتماعية و تتمثل أهمها في عدم توفر العقارات أي الأراضي اللازمة لبناء هاته المساكن إذ استطعنا إلى حد الآن توفير أراضي يمكن أن تساعدنا في بناء 12000 مسكن فقط و متأية من أراضي على ملك الدولة و أراضي ملك لمجلس الولاية أو المجلس البلدي أو أراضي على ملك أحد المؤسسات العقارية المكلفة ببناء هاته المساكن الاجتماعية .
هل يقع احترام آجال تسليم هاته البناءات من قبل الباعثين العقاريين أي يقع تسليمها في الآجال المحددة ؟
في الحقيقة الجدية موجودة في هذا الأساس و لكن لا نخفي وجود عديد العراقيل التي من شأنها أن تعطل سير انجاز هاته المساكن الاجتماعية و متعلقة أساسا بالأراضي كما سبق و أشرنا فحتى إن وجدت الأرض فلا يخفى على أحد أن الاجراءات الإدارية أو القانونية جد معقدة في تونس أي لا بد من وجود حيز زمني في المعاملات الإدارية من شأنه تأخير البدأ في الانجاز أو البناء الفعلي على أرض الواقع .
هذا إلى جانب مشكل التمويل
ما هي المقاييس التي يتم على أساسها اسناد المساكن الاجتماعية لمستحقيها ؟
تتمثل مقاييس الشروط اللازمة لقبول مطالب المستحقين أولا في دخل الأسرة الذي لا يجب أو يتجاوز 3 مرات الحد الأدنى للأجور ثم عدد الأبناء المتمدرسين ثم عدد أفراد الاسرة ذوي الإعاقة ثم بالإستناد إلى عدد أفراد الأسرة ثم السن و الحالة الاجتماعية .
لكن كثيرا ما تعالت عديد الأصوات و شككت في مصداقية عملية اسناد المساكن الاجتماعية على خلفية انها تذهب لغير مستحقيها و توزع وفق منطق المحسوبية و « الأكتاف « ؟
بصراحة لا يمكن التلاعب في هذا الخصوص و لكن لا ننفي أيضا أن العديد من المواطنين قد غالطوا الإدارة المعنية وذلك بتعمدهم الخروج من منازل يمتلكونها والسكن في أكواخ للانتفاع بالبرنامج المذكور إذ بلغت نسبة المغالطة ما يقارب 30 بالمائة من جملة المترشحين هذا و قد انتفع هؤلاء بسكن اجتماعي دون وجه حق و لكن قامت الجهات المختصة باحداث لجنة مراقبة في الغرض في أواخر سنة 2013 للتحقق من جميع المطالب المطروحة لكشف اللبس الحاصل و بالتالي وقع اخراج هؤلاء من قائمة الانتضار و رفض مطلبهم رفضا تاما و استبدالهم بمستحقين فعليين .
طبعا المغالطة واردة و بالتالي لا يمكن التشكيك في مصداقية الجهات المعنية بانجاح مسار هذا البرامج الخصوصي خاصة مع تعدد الجهات فلا يمكن أن نشكك في مصداقية الولاية أو وزارة التجهيز و الاسكان و التهيئة الترابية أو في هياكل المجتمع المدني أو ممثلي المجلس التأسيسي وقتها فنحن بذلك نشكك في جميع هياكل الدولة و بالتالي هذا مستبعد و نحن من جهتنا نعمل على ابعاد كل لبس في هذا خصوص كما أوضحنا من خلال بعث لجان مختصة لتفقد هاته الملفات و التثبت منها ؟
لكن يبقى الشك قائم الذات إن وقع التشكيك في مصداقية و نزاهة المشروع من داخل وزارة التجهيز و الاسكان و التهيئة الترابية ؟
لا نستغرب وجود مثل هاته الاتهامات و لكن ما نستغربه هو انبعاثها من داخل الوزارة و بالتالي لا أتصور أن ابن الوزارة أو أحد أعضاء الوزارة يمكن أن يشكك في مصداقية زملائه أو في مصداقية جهود وزارة التجهيز و عملها على انجاح مسار البرنامج الخصوصي للسكن الاجتماعي و لكن أعتقد أو أجزم أن هاته الاتهامات ماهي إلا اتهامات تخدم فقط المصلحة الشخصية لمن صدر منه الاتهام .
و كل ما يسعني قوله هو أننا نسير قدما لانجاح هذا المسار رغم وجود أخطاء و نحن اليوم نعمل بكل جهد لاصلاح هذا المسار خاصة و أن هذا المشروع يتسم بالنبل نظرا لأنه برنامج اجتماعي يسعى لمساعدة ذوي الحالات الاجتماعية المزرية لتمكينهم من أبسط وسائل العيش الكريم و هو المسكن اللائق.
ما هي أهم الحلول المبرمجة لتجاوز تعطل سير برنامج السكن الاجتماعي الذي انطلق منذ سنة 2012 ؟
الحلول و بصفة عامة في هذا الخصوص ارتأت الدولة أن المنظومة القديمة للسكن في تونس لا تستجيب لمتطلبات الوضع الحالي و بالتالي عملت على احداث استراتيجية أو منظومة جديدة و ستتضح نتائجها على المدى القريب و التي ستعمل بالأساس على أهداف أساسية من أهمها توفير الأراضي الصالحة لبناء المساكن الاجتماعية .
أما في ما يخص المحور الأول من البرنامج الخصوصي و المتعلق بإزالة و تعويض المساكن البدائية بأخرى جديدة وجدنا الحل الأمثل في اللجوء إلى استراتيجية البناء الذاتي و ذلك بتسليم المبلغ المالي المحدد للمواطن وهو يقوم بالبناء طبعا مع المراقبة الدائمة من قبل اللجنة الجهوية و قمنا أيضا باللجوء إلى المقاولين الصغار عوضا عن المقاولات المرخص لها في هذا المجال.
كما أنه من بين أولويات عمل الوزارة في المائة يوم الأولى هي توفير مقاسم اجتماعية تكون مهيئة و صالحة للبناء و البناء يكون طبقا لمثال هندسي تحدده الوزارة و نرجوا أن يكون للبلديات دور فعال في التقيد بهذا المثال الهندسي.
ختاما إلى أي مدى أنت متفائل بمعالجة هذا الملف الضخم ؟
في الحقيقة أنا متفائل من حيث الوصول إلى انجاح هذه الاستراتيجية الجديدة التي ستتبعها الدولة للنهوض بقطاع السكن في تونس ليكون لكل مواطن مسكن لائق و نرجوا أن يكون هذا البرنامج الخصوصي هو اللبنة التي تنبني عليها منظومة كاملة و التي ستعتمد لانجاز هاته المساكن الاجتماعية.
حنان العبيدي