في زمن الإتحاد السوفياتي كانت تركيا هي المستفيد الأكبر على المستوى الإقتصادي و التجاري… و كون روسيا اليوم تسعى للسيطرة على أوكرانيا فإن هذا الحدث لو تحقق و اكتمل نصابه فإنه سيعيد للعالم شيئا من الصورة القديمة التي كان فيها الإتحاد السوفياتي في أقصى درجات قوته و امتداده.
في الضاهر يعتقد الكثيرون أن تركيا لا فائدة لها في هذه الحرب بين روسيا و أوكرانيا، و لكن المتعمق في الجوانب الجغرافية يدرك جيدا أنه لا سبيل لتصدير الحبوب الأوكرانية أو غيرها من المنتجات الأخرى سوى بواسطة تركية، و وصل وزير الخارجية الروسي “سيرجي لافروف” مؤخرا إلى تركيا لبحث إمكانية قيام أوكرانيا بتصدير محاصيلها المحظورة في موانئها، بناء على طلب الأمم المتحدة.
و لا يمكن لمحاصيل أوكرانيا مغادرة مكانها سوى عن طريق اللوجستيك و الحماية التركية، إذ من المرجح أن تحمل البواخر التركية الحبوب الأوكرانية انطلاقا من موانئ أوكرانيا مرورا بإسطنبول ثم العالم…
في سنة 1963 كانت تركيا تتحكم في كل من مضيقي البوسفور و الدردنيل، و هكذا سيطرت تركيا على البحر الأسود و غيره من البحار الصالحة للملاحة، و بهذه الطريقة تبوأت تركيا مكانة جد استراتيجية من خلال تربعها على عرش البحر الأسود و بقية البحار الصالحة للملاحة و تعاطي التجارة..
كون البحر الأسود خاضع لسيطرة الأتراك فإن أوكرانيا ستظل تحت رحمة تركيا التي ستكون لها اليد العليا على الإقتصاد و التجارة الأوكرانية.. و في هذا السياق يمكن لتركيا أن تستفيد من هذا الوضع إلى أقصى الحدود فتحقق أرباحا قد تفوق الخيال، خاصة و أن أوكرانيا مطمور عالمي للحبوب و العديد من المنتوجات الأخرى.
هذا و يرى كثيرون أنه إذا كانت أوروبا قد دمجت تركيا في الاتحاد الأوروبي، لكانت سيطرت على البحر الأسود، و بذلك ستكون العقوبات ضد روسيا فعالة للغاية، لكن الإتحاد رفض تركيا و بذلك خسر من كل الجهات.
إن الواقع اليوم يضع كل من روسيا و تركيا في قمة هرم الإشعاع العالمي، و يبدو أن الأمور آخذة في التحسن لصالح الطرفين، في حين يقف العالم متفرجا أمام هذه التغيرات العميقة.
بلال بوعلي